الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية إسرائيل والمجلس: معركة «سوق ودلاّل»

نشر في  14 ماي 2014  (10:55)

بقلم: محمد المنصف بن مراد

لن نذيع سرّا إذا قلنا إنّ الشعب التونسي يساند الشعب الفلسطيني  ولم ولن يقبل جرائم الحكومة الاسرائيليّة وبناء المستوطنات الصهيونيّة.. لكن في السّنوات الأخيرة  ـ وبكلّ صراحة ـ ونظرا الى الانشقاقات بين الفلسطينيين أنفسهم والناجمة أساسا عن المصالح الضيّقة والانتماءات الايديولوجيّة والدّينية وأيضا عن النفوذ الخارجي (ضغط ايران وأماريكا وقطر والسعودية)، شعرت الشعوب العربية بضرب من الملل لأنّ الظلم الاسرائيلي أصبح خبزا يوميّا تعوّدنا به ولأنّ الفلسطينيين منقسمون ولأنّ الإعلام الغربي وحتى العربي لا يحرّك ساكنا إزاء ما يقاسي الأشقّاء الفلسطينيون من عذابات.. ثمّ ومنذ سنوات خلت،  استشرى الارهاب «الاسلاموجي» ودمر العالم العربي نسبيا فأضحت القضيّة الفلسطينيّة قضية ثانوية لأنّ اسرائيل وحلفاءها نجحوا ـ إلى حدّ ما  بتشجيعهم للحركات الاسلاميّة ـ في تغيير الأولويات للمواطن العربي الذي بات مهتمّا بالأمن والاستقرار والارهاب والتهاب الأسعار..
وفي الآونة الأخيرة تقدّم 80 نائبا من المجلس  التأسيسي (الذي أصبح مجلسا تشريعيا) بلائحة لوم ضدّ السيدة آمال كربول وزيرة السياحة والسيد رضا صفر الوزير المكلّف بالأمن، بعد ان تسرّبت وثيقة من وزارة الداخلية تسمح للسوّاح الاسرائيليين بدخول تراب الوطن على أن يكون ذلك في نطاق رحلة بحريّة بما يخوّل لهم زيارة الأسواق لمدّة 6 ساعات أو المشاركة في المؤتمرات،  مع العلم أنّه مسموح لهم بذلك منذ عشرات السّنين بما في ذك في عهد الترويكا..
ولقد شاهدنا النواب الممضين على اللائحة من أحزاب الجمهوري والنهضة ووفاء والتحالف الديمقراطي يتهجّمون على الوزيرين وكأنّهم أبطال العروبة والقومية (وهو دور جديد لم ينجحوا فيه) في حين كانت مواقف المنتقدين من حركة الشعب طبيعيّة لأنّها مواقف محترمة لم تكن وليدة حصّة المساءلة بل مواقف عبّر عنها من قبل مناضلو هذه الحركة.. لقد بات واضحا انّ تدخّلات بعض النواب «المناصرين» للقضية الفلسطينيّة مواقف تستهدف وزيرة ناشطة ومفخرة لتونس ووزير داخلية مكلّفا بالأمن أثبتت حرفية ممتازة، وترمي الى خلق أمن مواز وغير وطني لأنّه يخدم مصالح بعض الأحزاب ويسمح للعنف والارهاب بالانتشار.. ولئن لم تكن لبعض النواب الدّوافع ذاتها، فقد كانت النتيجة واحدة حيث رأينا نوابا معتدلين ينقلبون الى «حماة» شرسين للقضية الفلسطينية..وبيني وبينكم «ما فمّاش قطوس يصطاد لربّي» فالانتخابات اقترب موعدها والتلفزة الوطنيّة تبثّ تدخلاتهم، وقد أعدّوا العدّة لذلك بما طبخوا من كلام معسول وارتدوا من لباس أنيق!
ولقد كان من الأنسب مساءلة الوزراء المسؤولين عن انتشار العنف والارهاب أو غير القادرين على اطفاء نيران الأسعار أو المطالبة الفورية بمراجعة الميزانية التي وفرت أموالا طائلة للمجلس التأسيسي ورئاسة الجمهورية  والحكومة والحال أنّ جيب المواطن شبه فارغ.
نعود الى تدخلاتهم البطولية في القضية الفلسطينيّة، لنؤكّد أنّها ستضرّ بالسياحة التونسيّة أي بما يناهز 400.000 مواطن ومواطنة يعملون مباشرة في هذا القطاع وبـ1،600.000 آخرين ينتفعون من السياحة.. إنّ المسؤول ليس ذاك الذي يخضع للايديولوجيا وللحسابات السياسيّة وحتى لعواطف الناخبين بل هو الذي يفكر في تونس ومصالحها قبل كل شيء كما فعل ذلك بورقيبة في خطابه في أريحا سنة 1965 عند تناوله للقضيّة الفلسطينيّة..  انّي بهذا لا أدعو الى الاعتراف باسرائيل كما فعلته مصر والأردن والرئيس الفلسطيني عباس، بل إلى التعامل البراغماتي  مع بعض الظروف دفاعا عن قطاع حسّاس كان يضمن لبلادنا 3000 مليار سنويّا  ويسمح لتونس بالانتفاع بالعملة الصّعبة أمّا لفائدة التوريد أو لخلاص الديون الخارجية! ألم يكن من واجب من أمضوا على لائحة اللوم ان يفكّروا في  تونس دون سواها، ودون الصمت عن جرائم الكيان الصهيوني.. لقد كان من الأجدى لقياديي الأحزاب الوسطية أو الديمقراطية ان يتصلوا بحكومة السيد عباس لطرح سؤال بسيط عليها: هل انّ زيارة عدد من السواح الاسرائيليين لتونس تضرّ بالقضية الفلسطينيّة؟ وعلى ضوء جوابها يتمّ اتخاذ الموقف المناسب..
ومهما يكن من أمر نعتقد ان استقبال بعض السواح لا يضرّ بتونس او بمصالحها بل يخدم قطاعا مهدّدا بالافلاس في حين أنّ رفضهم يشجّع على تنامي العنف والارهاب والتشدّد الديني ويضر بمصالح تونس.
إنّي أقول للسيدة كربول وللسيد صفر «برافو»، انّ أغلب التونسيين يساندونكما ويفكّرون في مصلحة تونس ولا يعني هذا الاعتراف ـ اليوم ـ باسرائيل بل المساواة في التعامل الاداري مع كل سواح العالم، مع التذكير بأنّ الجواسيس الاسرائيليين الحقيقيين لهم جوازات سفر من جنسيات أخرى وبإمكانهم دخول  بلادنا متى شاؤوا، كما انّ لهم حلفاء وعملاء يمدّونهم بكلّ المعطيات عن تونس.